سورة مريم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{فَأَجَاءهَا} جاء بها. وقيل: ألجأها وهو منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء، ألا تراك لا تقول جئت المكان وأجاءنيه زيد {المخاض} وجمع الولادة {إلى جِذْعِ النخلة} أصلها وكان يابسة وكان الوقت شتاء وتعريفها مشعر بأنها كانت نخلة معروفة وجاز أن يكون التعريف للجنس أي جذع هذه الشجرة كأنه تعالى أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب لأنه حرسة النفساء أي طعامها. ثم {قَالَتْ} جزعاً مما أصابها {ياليتنى مِتُّ قَبْلَ هذا} اليوم {مِتُّ} مدني وكوفي غير أبي بكر، وغيرهم: بالضم. يقال: مات يموت ومات يمات {وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} شيئاً متروكاً لا يعرف ولا يذكر. بفتح النون: حمزة وحفص، بالكسر: غيرهما ومعناهما واحد وهو الشيء الذي حقه أن يطرح وينسى لحقارته {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا} {مَن} أي الذي تحتها ف {من} فاعل وهو جبريل عليه السلام لأنِه كان بمكان منخفض عنها، أو عيسى عليه السلام لأنه خاطبها من تحت ذيلها. {من تحتها} مدني وكوفي سوى أبي بكر والفاعل مضمر وهو عيسى عليه السلام، أو جبريل والهاء في {تحتها} للنخلة. ولشدة ما لقيت سليت بقوله {أَلاَّ تَحْزَنِى} لا تهتمي بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس و{أن} بمعنى أي {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ} بقربك أو تحت أمرك إن أمرته أن يجري جري وإن أمرته أن يقف وقف {سَرِيّاً} نهراً صغيراً عند الجمهور، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السري فقال: هو الجدول. وعن الحسن: سيداً كريماً يعني عيسى عليه السلام. وروي أن خالد بن صفوان قال: له إن العرب تسمي الجدول سرياً فقال الحسن: صدقت ورجع إلى قوله. وقال: ابن عباس رضي الله عنهما: ضرب عيسى أو جبريل عليهما السلام بعقبه الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى النهر اليابس فاخضرت النخلة وأثمرت وأينعت ثمرتها فقيل لها:


{وَهْزِّي} حركي {إِلَيْكَ} إلى نفسك {بِجِذْعِ النخلة} قال أبو علي: الباء زائدة أي هزي جذع النخلة.
{تساقط عَلَيْكِ} بإدغام التاء الأولى في الثانية: مكي ومدني وشامي وأبو عمرو وعلي وأبو بكر، والأصل تتساقط بإظهار التاءين {وتساقط} بفتح التاء والقاف وطرح التاء الثانية وتخفيف السين: حمزة. و{يساقط} بفتح الياء والقاف وتشديد السين: يعقوب وسهل وحماد ونصير. و{تساقط} حفص من المفاعلة. و{تُسقِطْ} و{يُسقِطْ} وتَسقُطْ ويَسقُطْ التاء للنخلة والياء للجذع فهذه تسع قراءات {رُطَباً} تمييز أو مفعول به على حسب القراءة {جَنِيّاً} طرياً وقالوا: التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت. وقيل: ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض من العسل {فَكُلِى} من الجني {واشربى} من السري {وَقَرّى عَيْناً} بالولد الرضي و{عينا} تمييز أي طيبي نفساً بعيسى وارفضي عنك ما أحزنك {فَإِمَّا} أصله إن ما فضمت إن الشرطية إلى ما وأدغمت فيها {تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً فَقُولِى إِنّى نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً} أي فإن رأيت آدمياً يسألك عن حالك فقولي إني نذرت للرحمن صمتاً وإمساكاً عن الكلام، وكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الأكل والشرب. وقيل: صياماً حقيقة وكان صيامهم فيه الصمت فكان إلتزامُه إلتزامَه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت فصار ذلك منسوخاً فينا. وإنما أمرت أن تنذر السكوت لأن عيسى عليه السلام يكفيها الكلام بما يبرئ به ساحتها ولئلا تجادل السفهاء، وفيه دليل على أن السكوت عن السفيه واجب وما قُدعَ سفيه بمثل الإعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض. وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقد تسمى الإشارة كلاماً وقولاً ألا ترى أن قول الشاعر في وصف القبور:
وتكلمت عن أوجه تبلى ***
وقيل: كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام أو سوغ لها هذا القدر بالنطق {فَلَنْ أُكَلّمَ اليوم إِنسِيّاً} آدميا.


{فَأَتَتْ بِهِ} بعيسى {قَوْمَهَا} بعد ما طهرت من نفاسها {تَحْمِلُهُ} حال منها أي أقبلت نحوهم حاملة إياه فلما رأوه معها {قَالُواْ يامريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} بديعاً عجيباً والفري القطع كأنه يقطع العادة {يَاأُخْتَ هارون} وكان أخاها من أبيها ومن أفضل بني إسرائيل، أو هو أخو موسى عليه السلام وكانت من أعقابه وبينهما ألف سنة وهذا كما يقال يا أخا همدان أي يا واحداً منهم، أو رجل صالح أو طالح من زمانها شبهوها به في الصلاح أو شتموها به {مَا كَانَ أَبُوكِ} عمران {امرأ سَوْء} زانياً {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ} حنة {بَغِيّاً} زانية {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} إلى عيسى أن يجيبهم وذلك أن عيسى عليه السلام قال لها: لا تحزني وأحيلي بالجواب علي. وقيل: أمرها جبريل بذلك. ولما أشارت إليه غضبوا وتعجبوا و{قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ} حدث ووجد {فِى المهد} المعهود {صَبِيّاً} حال {قَالَ إِنّى عَبْدُ الله} ولما أسكتت بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله لها اللسان الساكت حتى اعترف بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم، روي أنه أشار بسبابته وقال بصوت رفيع {إني عبد الله} وفيه رد لقول النصارى {آتانيالكتاب} الإنجيل {وَجَعَلَنِى نَبِيّاً} روي عن الحسن أنه كان في المهد نبياً وكلامه معجزته. وقيل: معناه أن ذلك سبق في قضائه أو جعل الآتي لا محالة كأنه وجد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8